An interview with Dina Abdel-Megeed on SBS Arabic on my journey of returning to Egypt from Australia. The interview can be listened to below.
يحلم الكثيرون في العالم العربي بالهجرة. فلماذا يختار بعض أبناء المهاجرين العودة إلى موطن آبائهم؟ الأكاديمي عمرو علي يحدثنا عن رحلته من استراليا إلى مصر.
“أنا ممتن للغاية للتعليم الذي حصلت عليه في استراليا و على حياة كاملة عشتها هناك و لكني دائما كنت أحلم بالرجوع إلى مصر.”
هكذا بدأ عمرو علي الأكاديمي الاسترالي من أصول مصرية حديثه عن رحلته من غرب استراليا إلى أزقة القاهرة و شواطيء الإسكندرية.
لم تكن أسرة عمرو التي هاجرت إلى استراليا في السبعينات من القرن الماضي تنوي أن تقضي بقية حياتها في استراليا. كانت تنظر الأسرة التي تنقلت عدة مرات بين مصر و استراليا إلى السفر كمرحلة مؤقتة سوف يتبعها استقرار في مصر. و لكن صعوبات الحياة في مصر دفعت الأسرة إلى اتخاذ قرار الهجرة بشكل نهائي.
ذكريات عمرو كطفل في الروضة و الصف الأول الابتدائي في مصر ليست بالكثيرة و لكنها تراكمت عبر السنين خلال الزيارات المتكررة لتخلق بداخله حنينا إلى وطن بعيد و إلى شعور بالانتماء لم يستطع أن يجده في استراليا.
بداية حياة الأسرة في استراليا كانت في قرية صغيرة اعتبرها عمرو مكانا مثاليا لغياب العنصرية. يقول عمرو: “كانت تلك القرية الصغيرة التي ولد فيها أخي وأختي بمثابة جنة صغيرة لي.”
انتقال إلى بيرث و تحديات جديدة
ولكن انتقال الأسرة إلى بيرث في غرب استراليا جلب معه تحديات لم يكن عمرو يتوقع مواجهتها في تلك السن الصغيرة. يقول عمرو: “بمجرد الانتقال تشعر نفسك تحولت بشكل تلقائي إلى جزء من أقلية.”
تجربة عمرو كطفل من أسرة عربية مهاجرة في مدرسة في بيرث لم تكن سهلة على الإطلاق حيث شعر كثيرا بالوحدة والعنصرية التي كانت خفية في بعض الأحيان وظاهرة فجة في أحيان أخرى.
“كان معظم الأطفال الآخرين لديهم حلفاء من نفس الخلفية الثقافية لكنني كنت واحدا من أطفال قليلين للغاية من مصر. و زاد الأمر سوءا أثناء حرب الخليج حيث فرضت علي الهوية العربية التي كنت حتى ذلك الوقت لا أفهم عنها شيئا.”
الحياة في بيرث كانت مليئة بالقوالب الجاهزة التي كان على أطفال المهاجرين الإنصهار فيها حتى يتمكنوا من الإندماج في المجتمع. يقول عمرو ضاحكا: “يعاني أبناء المهاجرين من متلازمة أطفال الثقافة الثالثة.”
لعب الراجبي والذهاب إلى الحانات و غيرها من النشاطات التي يراها البعض اختيارا يرى عمرو أنها كانت تستخدم كوسائل لتقييم مدى اندماج أطفال المهاجرين في المجتمع الأوسع.
يرى عمرو أن الظروف كانت تدفع الأطفال ذوي الخلفيات الثقافية المتعددة إلى كره أنفسهم و أصولهم الثقافية.
“في وقت من الأوقات يتمنى الطفل أن يكون أشقر الشعر وأزرق العينين و أن يكون اسمه مايكل حتى يتمكن من الاندماج في المجتمع.”
في عمر العشر سنوات واجه عمرو موقفا مؤلما في المدرسة يعتبره نقطة فاصلة في حياته.
عند تدريس الإنجيل في صفه الدراسي كان يتم إخراج الأطفال الغير مسيحيين من الفصل وفي مرة من المرات أصر عمرو على البقاء خصوصا بعد أن سمع أن الحصة كانت عن قصة إبراهيم والفداء. و أثناء حديث المدرسة أخبر عمرو إحدى زميلاته في الصف أنه شهد ذبح الأضحية في مصر. أخبرت زميلته المدرس الذي قام بدوره بتعنيف عمرو على مرأى ومسمع من جميع زملائه مسميا دينه ب”الدين البربري”. يقول عمرو: “كانت تلك تجربة من التجارب الكفيلة بتدمير طفل.”
شغف بالقراءة يفتح آفاقا جديدة
الإحساس بالوحدة والشجارات المتكررة في فناء المدرسة التي لم يكن لعمرو فيها حلفاء دفعته إلى تكرار الذهاب إلى المكتبة التي وجد فيها ملجئا وطريقة لإثراء معلوماته.
“كان ينظر إلى على أنني لست ذكيا بالقدر الكافي. دفعني هذا إلى الذهاب إلى المكتبة بشكل متكرر و قراءة الموسوعات من أول صفحة حتى آخر صفحة في بعض الأحيان.”
لم يكن والد عمرو قارءا و لكنه أخذ في شراء الكتب له مشجعا إياه على الإطلاع وتوسيع مداركه.
يرى عمرو أن نقطة التحول الحقيقة في حياته جاءت عند مشاهدته فيلم عن حياة مالكوم إكس أحد أشهر الشخصيات في حركة الحقوق المدنية في أمريكا في الستينات.
“جعلني هذا الفيلم أشعر بالفخر بثقافتي وديني وجعلني أشعر أن اختلافي ليس عيبا.”
عمرو في حفلة حصوله على درجة الدكتوراة من جامعة سيدني
دخول عمرو إلى الجامعة فتح له آفاقا أوسع وعالما أرحب حيث تعدد الثقافات و الخلفيات. يصف عمرو حياة الجامعة ب”البوهيمية”. ولكنه واجه بعض المصاعب في الجامعة أيضا حيث كان المستوى الأكاديمي المرتفع لإحدى مقالاته سببا كافية لاتهامه بالغش بحجة أن “اللغة الانجليزية ليست لغته الأصلية.”
شعور عمرو أنه يعيش في “أبعد مدينة في العالم” و بحثه عن مكان يشعر فيه بالانتماء جعل عنده رغبة دائمة في العودة إلى مصر. و لكن زياراته المتكررة إلى مصر والفترات الأطول التي بدأ في قضائها هناك جعله يشعر أن ما كانت لديه كطفل كانت نظرة حالمة غير واقعية عن موطن آبائه.
موطن الآباء: من الصورة المثالية إلى الواقع
مع منتصف الألفينيات أصبح لدى عمرو صورة واقعية أكثر عن الحياة في مصر وبرغم إدراكه لمصاعب الحياة هناك إلا أنه ظل يراها مكانا أقرب إلى قلبه. انتقل عمرو للحياة في مصر بعد حصوله على درجة الدكتوراة من جامعة سيدني و يعمل عمرو الآن أستاذا في علم الإجتماع في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
“عند تدريسي في مصر أشعر أنني في مهمة روحية و أشعر أن الطلبة على الرغم من انتمائهم للطبقات العليا في المجتمع لديهم شعور بمشاكل المجتمع من تلوث و ازدحام و ركود اقتصادي. في الجامعة في سيدني كان الطلاب أقرب إلى الزبائن.”
ثورات الربيع العربي أعطت عمرو أملا في أن يكون جزءا من تغيير إيجابي في المنطقة. تعثر تلك الثورات و التغيير الذي كان يأمل الناس أن تجلبه أصاب البعض بالإحباط و لكن عمرو يرى “أنه علينا خلق مساحات للأمل.”
يشارك عمرو مع متابعيه على مواقع التواصل الإجتماعي مقتطفات من حياته في مصر
“مصر بلد في حالة حراك و هناك مساحة لإحداث تغيير وخلق معنى قد لا تتوفر في أماكن أخرى.”
يشارك عمرو مع متابعيه على وسائل التواصل الإجتماعي صورا لجولاته في أسواق الكتب المستعملة في القاهرة وأخرى للقطط و العشاق على شواطيء الإسكندرية. يتحدث عمرو عن رحلة القطار التي تأخذه من الإسكندرية بسحرها إلى القاهرة بزخمها و حراكها الذي لا يتوقف بشغف كبير. تربط رحلة القطار تلك ماض لم يعشه عمرو بحاضر ما زال يبحث فيه عن مكان لنفسه.
“تذكرني رحلة القطار تلك التي عمرها لا يقل عن 170 عاما بجدي و أبي. جدي كان فني قطارات و أبي كان مهندسا يشرف على إصلاح القطارات. و ها أنا ذا أعود لأركب نفس القطار الذي كانا يركبانه منذ عشرات السنين.”