Originally published in Mada Masr, click here for the English translation.
منذ صغري، اعتدت على رؤية المناسبات الدينية تُفرّغ من معناها، سواء كان هذا في رمضان المتخم بالتسالي، أو في الكريسماس المتمحور حول الشراء.
ولكن عيد الأضحى يتعدى ذلك، فهو يقوم على مشهد دماء الخراف والمواشي السائلة في شرايين المدن المصرية. أن تسكن مثلي في أحد أحياء الإسكندرية المحاطة بالجزارين يشبه أن تجد نفسك في الشريان الأورطي للمدينة.
عيد الأضحى، والذي يمجد تضحية إبراهيم، مفعم بالمعاني والرمزية، من مثابرة النفس البشرية والالتفاف التقليدي للمجتمع، بالإضافة إلى كونه فرصة للانفتاح الرمزي على المسيحيين واليهود الذين يفهمون هم أيضًا محنة إبراهيم.
يضاف لذلك أن العيد هو فرصة لجموع المصريين، الذين قد أصبحوا نباتيين رغمًا عنهم، لكي يعيدوا اللحم إلى سُفرتهم، بالإضافة للعيديات والعطايا التي يجود بها ميسورو الحال في هذه المناسبة.
عيد الأضحى مثال للصدقة، ولكن ينقصه الكثير من التضحية.
أدمن المجتمع المصري عبر السنين المظاهر الفاحشة للتدين. تدهور عيد الأضحى حتى أصبح مناسبة يصل فيها المجتمع إلى قمة الالتفاف حول المظاهر، بشكل يدمر فرصة وجود أي أثر للحياة العامة. تعود جذور هذه المشكلة إلى التمدن، حيث انتقلت الطقوس من المزارع والمذابح إلى الشوارع. وانتقلت شعائر ذبح الخروف بالتالي إلى مناور المباني لمدة طويلة. ولكن مع الرغبة في التباهي بالثروة أصبح الذبح يجري على نطاق شديد الاتساع، وبدون رقابة أو تنظيم.
رغم معارضة السلطة لتلك الممارسات وتغريم البعض بمخالفات هنا أو هناك، إلا أن الدولة ظلت أسرع كثيرًا في التحرك ضد متظاهر مسالم يرفع لافتة، من سرعتها في إيقاف المسؤولين عن سد نظام الصرف بآلاف اللترات من الدم، مع إطلاق رائحة الحيوانات الميتة في الهواء وتجاهل أدنى معايير الصحة العامة.
تجرُد الذبح من الأخلاقيات الإسلامية يظهر في غياب عدد من الأسئلة الأساسية مثل: «لماذا يُحتفظ بالحيوانات في ظروف رديئة قبل أن يواجهوا مصيرهم؟»، «لماذا يشاهد الأطفال المجزرة؟» وبعد كل ذلك، «ما هو الحلال أصلًا؟»
في النهاية، يصبح الخروف هو بطل الاحتفال الذي يطمس الرسالة الأصلية ويستهين بالإدمان غير الصحي للحم.
كان أكل اللحوم محدودًا جدًا في العصور الأولى للإسلام؛ كان الرسول وصحابته شبه نباتيين، وكان أحدهم نباتيًا بالفعل. تتفق المصادر على أن الطعام المفضل للرسول كان البلح والشعير والتين والعسل واللبن وأكلات نباتية أخرى. لم يأكل الرسول لحم البقر أبدًا، بل وقد قال: «البقر لحمه داء ولبنه دواء». كما حذر الخليفة عمر: «إياكم واللحم، فإن له ضراوة كضراوة الخمر». تاريخيًا، كان أثرياء المسلمين وحدهم هم من يملكون شراء اللحم، وكانوا يأكلونه يوم الجمعة، بينما ينتظر الفقراء وجبة اللحم كل عيد.
يجب أخذ هذه العوامل التاريخية في الاعتبار، لدى التطرق للحاجة لانتشال عيد الأضحى من الارتباك المحيط به. ربما يجب التعامل مع اللحوم كرفاهية تؤكل بشكل غير منتظم في كل الطبقات الإجتماعية.
لست نباتيًا، ولكن الإفراط في إنتاج وتناول اللحم، بالإضافة للضغط الذي يسببه ذلك على الكوكب، يشير إلى ضرورة تنويع الطعام وإعلاء شأن ما هو نباتي منه.
ما يحدث لم يعد يخص قصة إبراهيم، ولكنه مجرد شيء تفعله لأنك فعلته العام الماضي، وستفعله العام القادم. بعض هؤلاء الجزارين، والمؤتمنين على تنفيذ طقوس مقدسة، لا يجدون حرجًا في الجلوس أمام مجازرهم لشرب الشاي، بينما يصطف المصلون قربهم يوم الجمعة. يبدو أن صلاة الجمعة المفروضة ليست مربحة بشكل كافي لهم.
بشكل متصاعد، نشهد عيدًا عدميًا كل عام. لا يعرف الجزارون لماذا يذبحون، ولا يعرف الناس لماذا يشهدون الذبح، والفئة الوحيدة التي يبدو أنها تدرك أن هناك شيئًا ليس على ما يرام هم الخرفان والماعز والماشية.
ولكن عيد الأضحى يتعدى ذلك، فهو يقوم على مشهد دماء الخراف والمواشي السائلة في شرايين المدن المصرية. أن تسكن مثلي في أحد أحياء الإسكندرية المحاطة بالجزارين يشبه أن تجد نفسك في الشريان الأورطي للمدينة.
عيد الأضحى، والذي يمجد تضحية إبراهيم، مفعم بالمعاني والرمزية، من مثابرة النفس البشرية والالتفاف التقليدي للمجتمع، بالإضافة إلى كونه فرصة للانفتاح الرمزي على المسيحيين واليهود الذين يفهمون هم أيضًا محنة إبراهيم.
يضاف لذلك أن العيد هو فرصة لجموع المصريين، الذين قد أصبحوا نباتيين رغمًا عنهم، لكي يعيدوا اللحم إلى سُفرتهم، بالإضافة للعيديات والعطايا التي يجود بها ميسورو الحال في هذه المناسبة.
عيد الأضحى مثال للصدقة، ولكن ينقصه الكثير من التضحية.
أدمن المجتمع المصري عبر السنين المظاهر الفاحشة للتدين. تدهور عيد الأضحى حتى أصبح مناسبة يصل فيها المجتمع إلى قمة الالتفاف حول المظاهر، بشكل يدمر فرصة وجود أي أثر للحياة العامة. تعود جذور هذه المشكلة إلى التمدن، حيث انتقلت الطقوس من المزارع والمذابح إلى الشوارع. وانتقلت شعائر ذبح الخروف بالتالي إلى مناور المباني لمدة طويلة. ولكن مع الرغبة في التباهي بالثروة أصبح الذبح يجري على نطاق شديد الاتساع، وبدون رقابة أو تنظيم.
رغم معارضة السلطة لتلك الممارسات وتغريم البعض بمخالفات هنا أو هناك، إلا أن الدولة ظلت أسرع كثيرًا في التحرك ضد متظاهر مسالم يرفع لافتة، من سرعتها في إيقاف المسؤولين عن سد نظام الصرف بآلاف اللترات من الدم، مع إطلاق رائحة الحيوانات الميتة في الهواء وتجاهل أدنى معايير الصحة العامة.
تجرُد الذبح من الأخلاقيات الإسلامية يظهر في غياب عدد من الأسئلة الأساسية مثل: «لماذا يُحتفظ بالحيوانات في ظروف رديئة قبل أن يواجهوا مصيرهم؟»، «لماذا يشاهد الأطفال المجزرة؟» وبعد كل ذلك، «ما هو الحلال أصلًا؟»
في النهاية، يصبح الخروف هو بطل الاحتفال الذي يطمس الرسالة الأصلية ويستهين بالإدمان غير الصحي للحم.
كان أكل اللحوم محدودًا جدًا في العصور الأولى للإسلام؛ كان الرسول وصحابته شبه نباتيين، وكان أحدهم نباتيًا بالفعل. تتفق المصادر على أن الطعام المفضل للرسول كان البلح والشعير والتين والعسل واللبن وأكلات نباتية أخرى. لم يأكل الرسول لحم البقر أبدًا، بل وقد قال: «البقر لحمه داء ولبنه دواء». كما حذر الخليفة عمر: «إياكم واللحم، فإن له ضراوة كضراوة الخمر». تاريخيًا، كان أثرياء المسلمين وحدهم هم من يملكون شراء اللحم، وكانوا يأكلونه يوم الجمعة، بينما ينتظر الفقراء وجبة اللحم كل عيد.
يجب أخذ هذه العوامل التاريخية في الاعتبار، لدى التطرق للحاجة لانتشال عيد الأضحى من الارتباك المحيط به. ربما يجب التعامل مع اللحوم كرفاهية تؤكل بشكل غير منتظم في كل الطبقات الإجتماعية.
لست نباتيًا، ولكن الإفراط في إنتاج وتناول اللحم، بالإضافة للضغط الذي يسببه ذلك على الكوكب، يشير إلى ضرورة تنويع الطعام وإعلاء شأن ما هو نباتي منه.
ما يحدث لم يعد يخص قصة إبراهيم، ولكنه مجرد شيء تفعله لأنك فعلته العام الماضي، وستفعله العام القادم. بعض هؤلاء الجزارين، والمؤتمنين على تنفيذ طقوس مقدسة، لا يجدون حرجًا في الجلوس أمام مجازرهم لشرب الشاي، بينما يصطف المصلون قربهم يوم الجمعة. يبدو أن صلاة الجمعة المفروضة ليست مربحة بشكل كافي لهم.
بشكل متصاعد، نشهد عيدًا عدميًا كل عام. لا يعرف الجزارون لماذا يذبحون، ولا يعرف الناس لماذا يشهدون الذبح، والفئة الوحيدة التي يبدو أنها تدرك أن هناك شيئًا ليس على ما يرام هم الخرفان والماعز والماشية.